Tuesday 29 January 2013

تلمسان في الشعر



تلمسان في الشعر

عبد المجيد نصير

أستاذ الرياضيات – جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

مجمع اللغة العربية الأردني

الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم

الملخص

تلمسان، وهي مدينة عريقة، عاصمة لدولة بني زيان، وكان لها حضور قوي في فترات من تاريخ الإسلام، مع قربها من الأندلس، لا عجب أن ذكرها الشعراء في مناسبات مختلفة؛ إما في ثنايا مدحهم لبعض حكامها أو كبارها، أو تغنيا بجمالها، أو عرفانا بفضلها وفضل من فيها. وفي تنقيبنا للمراجع المختلفة التي ذكرت تلمسان في الشعر، ولو بيتا واحدا، وجدنا ثروة ملحوظة من هذه الأبيات. ومما استطعنا أن نجده، في عجالة من أمرنا، وضيق وقتنا، ورودها في أشعار ثلاثة وعشرين شاعرا، وأبيات لشاعر مجهول.

نقدم في هذا البحث هذه الثروة الشعرية، مقتصرين على الأبيات التي تذكر تلمسان صراحة أو بلقب لها، ذاكرين الشاعر بتعريف موجز جدا ، ومطلع قصيدته، في حال كون البيت غير المطلع. وسنرى أن شعراء من القرن التاسع عشر قد ذكروها أيضا. وقد تصلح هذه المقالة لأن تكون حافزا للتوسع في هذا الباب.

 

 

مقدمة

أشعر وأنا في تلمسان قادما من مشرق العالم العربي لأقدم شيئا مما تستحق، إلى أهلها الكرام كناقل التمر إلى هجر، أو كبائع الماء في سوق السقائين. لكن، وهذه زيارتي الثانية إلى هذه المدينة العريقة، أظن أن من واجبي أن أقول فيها كلمة الزائر تاريخيا وجغرافيا وأدبيا باحترام ومودة. وأظن أن من حقها أن أدعي أني تلمساني الهوى، وأن من حقي عليها نسخة من مفتاحها الذهبي.

فتلمسان شاهد على قوة هذه الدعوة الالهية التي انطلقت من جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي ليعم خيرها أكثر العالم. وقد نجحت هذه الدعوة فيما فشلت فيه دعوات عالمية أخرى، سواء أكانت دينية أم دنيوية، وبخاصة على مستوى الشعوب. وأكد ذلك النجاح القرآن الكريم في الآية " لوأنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم". (الأنفال 63 ). فصارت تلمسان مثلا طيبا لها التآلف الحضاري الإنساني وحتى المادي. وكما كتب المقري "تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت في مكان شريف . . . حجبتها يد القدرة عن الجنوب، فلا نحول بها ولا شحوب، خزانة زرع ومسرح ضرع" (نفح الطيب). وقال أبو زكريا يحيى بن خلدون في كتابه "بغية الرواد في أخبار بني الواد وايام أبي حمو الشامخة ألأطواد ": "ودار ملكهم وسط بين الصحراء والتل تسمى بلغة البربر تلمسن؛ كلمة مركبة من تلم ومعناه تجمع ، وسن ومعناه اثنان أي الصحراء والتل . . . وهي مدينة عريقة في التمدن، لذيذة الهواء، عذبة الماء، كريمة المنبت، اقتعدت بسفح جبل، ودوين رأسه بسيط . . . وتوسطت ذا كور عديدة تعمرها أمشاج البربر والعرب".

أقصد فيما سبق، أن تلمسان تمثل بوتقة اسلامية انصهرت فيها الأصول والمنابت المختلفة، جمعهم دين واحد، فانبثقت منه ثقافة موحدة (بفتح الحاء وكسرها). وربما يجدر بالباحثين أن ينظروا في الوحدة الثقافية التي نعِم بها العالم الإسلامي، حتى وهو في غاية التشرذم السياسي، والتناحر على الملك. وظهرت هذه الوحدة في مناح ثقافية عديدة؛ ابتداء من اللغة العربية التي كتب بها الجميع، مع الاعتزاز بها، ومن الاهتمام بالشعر والنثر العربيين، ومن الأغراض الأدبية المتماثلة التي كتب لها جمع حافل من شعراء وناثرين؛ ومن سهولة انتقال أهل العلم والأدب في العالم الإسلامي دون جوازات سفر وتأشيرات لأشخاصهم، ودون أجهزة رقابة على أعمالهم، مع موت العصبيات الثقافية التي لم توجد أصلا، مع أن العصبيات العرقية المتناحرة كان لها دور سيء في ضعف دويلات الأندلس وانهيارها. وقد يجدر بالذين ينادون بالوحدة العربية أن يبدأوا بالوحدة الثقافية، منطلقين من اللغة العربية السليمة ثم الفصيحة،كأحد أقوى أساسات هذه الوحدة، التي ستجمع العقول والقلوب. وهي وحدة تضم أهل الثقافة بميادينها المختلفة، مما يعني أن قاعدتها عريضة، وجندها كثير العدد. وبخاصة أن محاولات الوحدة السياسية على مستوى العالم العربي كله، أو أجزاء منه فاشلة، لأنها تجميع لأهل السلطة، الذي ما إن يجتمعوا ويوقعوا ميثاق شرف(!) حتى ينقضوه قبل أن يجف حبره. وما مجلس الدفاع العربي المشترك الذي انهار منذ مدة طويلة، وكذلك لحقت به السوق العربي  المشتركة إلا بعض الأمثلة.

نبذة تاريخية

لهذه المدينة تاريخ عريق. فقد بنى أصلها البربر (كما كان اسمهم)؛ ومر بها الفندال، ثم حكمها الرومان من أواخر القرن الخامس الميلادي حتى فتحها عقبة بن نافع سنة 671 م. وبعد العصر الأموي، وبداية انسلاخ الأطراف الغربية عن الحكم العباسي، حكمها بنو زناتة. ثم فتحها الأدارسة، الذين قدموا من فاس، طيلة القرن التاسع. وحاصرها المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين سنة 1079، وفتحوها، وبنوا فيها ضاحية تاغرارات. وجاء بعدهم الموحدون، بعد أن فتحها عبد المؤمن سنة 1143، ودام حكمهم أربعين سنة. وحكمها تحت ظلهم بنو عبد الواد، المعروفون أيضا ببني زيان، لكنهم استقلوا عنهم فيما بعد، ودام حكمهم ثلاثة قرون. ثم جاء المرينيون من المغرب الأقصى، وحاصروها سنة 1299 لسبع سنوات، وفتحوها. لكنهم بنوا خارج أسوارها ضاحية سموها المنصورة. ومنذ 1555 خضعت للعثمانيين، حتى احتل الفرنسيون الجزائر منذ 1830، وبسطوا سلطتهم على أرض الجزائر، حتى استقلالها سنة 1962.

تلمسان في الشعر

مع هذا التاريخ الباذخ، والحكام الكثر، سواء أكانوا تابعين لدولة أخرى، أم لهم استقلالهم، لا عجب أن تجذب تلمسان عددا وافرا من أهل العلم والأدب والتأليف، وبخاصة مع تدهور الحكم الإسلامي في الأندلس، بعد أن صارت مدينة جاذبة للعلماء والكتاب والأدباء والشعراء، بسبب كونها حاضرة لدول مستقلة أو شبه مستقلة؛ إضافة لما نبغ فيها من علماء وشعراء وكتاب ومؤرخين. ونحن نعلم أن قصور السلاطين كانت مراكز النشاط العلمي والمعرفي، وعطاياهم كانت شريان الحياة للأدباء والشعراء والمؤلفين.

وفي هذه المقالة، نهتم بما ورد في تلمسان في الشعر ، ذاكرين البيت الذي يذكرها، ومطلع القصيدة التي فيها هذا البيت، وقائله، والمصدر الذي اعتمدناه، مقتصرين هذا العمل حتى نهاية القرن التاسع عشر. ولا أدعي أن عملي هذا جامع مانع، فلا ريب أنه فاتني من الشعر ما لا أعرفه، أو لم أصل إلى مصادره. وآمل أن أعثر على المصادر التي تيسر لي إكمال هذه المقالة بما يوفي تلمسان حقها.

ابن الأبار أبو عبد الله محمد بن أبي بكر القضاعي البلنسي (595-658 هـ / 1199-1260 م)

من قصيدة مطلعها

        رأى الله ما أرضاه من سعيه الأسنى      فجدد بالعام الجديد له الحسنى

يقول في تلمسان

        وأما تلمسان وفاس وسبتة                فتلك ليمناه أعنّتها تُثنى

ومن قصيدة مطلعها

       أبقت لصحوي من علاقتها نشوى        رمتني بسهم اللحظ عمدا فما أشوى

كما يذكر تلمسان في قوله

        فتلك تلمسان ومليانة إلى                إلى طرابلسٍ روعا مجدةً رعوى

ومن قصيدة مطلعها

        قضى صادق الآثار في أمرك الأرضى     بأن تملك الدنيا وأن ترض الأرضا

ثم يذكر تلمسان في قوله

         دعتك تلمسان فلبيتَ صوتها            مجيرا وناب الجوْر يوسعها عضا

ومن قصيدة أخرى مطلعها

         عز على النصر والتمكين منشؤه        الفتح غايته والنجح مبدؤه

ذاكرا تلمسان

         جاوز تلمسان فتحا لاحقا بسلا         يكفُّ من كفر النعمى ويكفؤه

ثم من قصيدة مطلعها

         لمن وقعة بالغرب ضعضعت الشرقا       أراقت نجيع المارقين فما يرقى

يعرج على تلمسان في قوله

         بفتح تلمسانٍ على الشرك عنوةً          أشقَّ بحكم القسر منه على الأشقى

وهذه من "نفح الطيب".

والقصيدة الأخيرة مذكورة أيضا في "الروض المعطار في خبر الأقطار" لابن عبد المنعم الحميري (-900هـ/ 1495).

لسان الدين ابن الخطيب

 وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي الشهير بلسان الدين (713-776 هـ/ 1313-1374 م)

من كتاب "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري، نجد ما يلي

         حيَّا تلمسان الحيا فربوعها                     صدف يجود بدره المكنون

ومن قصيدة أخرى

         أطاع لساني في مديحك إحساني               وقد لهجت نفسي بفتح تلمسان

ومن كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة"  للسان الدين، نجد له

         ونجَم المهدي وهو الداهية                      فأصبحت تلك المباني واهية

. . .

         ثم تلمسان وفاسا فتحا                        وملْكَ أصحاب اللثام قد محا

وفي قصيدة ذكر فيها السلطان أبا يعقوب منها

         ثم تقضى معظم الزمان                        مواصلا حصر بني زيان

. . .

        حتى أتى أهل تلمسان الفرج                   ونشقوا من جانب اللطف الأرج

ونأتي إلى الفقيه الكاتب أبو عبد الله بن يوسف القيسي الثغري، كاتب سلطان تلمسان أبي حمّو موسى بن يوسف الزياني من قصيدة مطلعها

         أيها الحافظون عهد الوداد                     جددوا أنسنا بباب الجياد

. . .

         كل حُسن على تلمسان وقف                وخصوصا على ربى العبّاد

وله يمدح تلمسان

         تاهت تلمسان بحسن شبابها                  وبدا طراز الحسن في جلبابها

         فالبشر يبدو من حباب ثغورها                مبسّما أو من ثغور حبابها

وله اللامية في مدح السلطان أبي حمّو ويذكر تلمسان

         قم مبصرا زمن الربيع المقبل                    ترَ ما يسر المجتني والمجتلي

. . .

         تاهت تلمسانُ بدولته على                   كل البلاد بحسن منظرها الجلي

. . .

         واشرفْ على الشرف الذي بإزائها            لترى تلمسان العلية من عل

         فإذا دنت شمس الأصيل لغربها                فإلى تلمسان الأصيلة فادخل

وهذا محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر  الحجري، يقول

         سل الريح إن لم تسعد السفن أنواء           فعند صباها من تلمسان أنباء

وفي قصيدة أخرى، مطلعها

          أطار فؤادي برق ألاحا                      رقم ضم بعد لو كر جناحا

          وطوح بي عن تلمسان ما                   ظننت فراقي لها أن يتاحا

وفي كتاب "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري، نجد لابن خميس في تلمسان، إضافة لما سبق:


          تلمسان جادتك الغوادي الروائح           وأرست بواديها الرياح اللواقح


          وسحّ على ساحات باب جيادها          مُلثِّ يصافي تربها ويصافح


          يطير فؤادي كلما لاح بارق                ويزداد شوقي كلما مر سائح


ومن كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة"، نجد له

          ألا لا تذكريني تلمسان والهوى              وما دهكت منا الخطوب الدواهك 

من قصيدة مطلعها

          تراجع من دنياك ما أنت تارك              وتسألها العتبى وها هي فارك

أما الوادي الآشي فكان في شعره شيء من هجاء تلمسان كما نجد في "أزهار الرياض . . " على خلاف ما سبق، في قوله:

          تلمسان أرض لا تليق بحالنا                ولكن لطف الله نسأل في القضا

          وكيف يحب المرء أرضا يسوسها            يهود وفجار ومن ليس يرتضى

وفي قوله

          غريب في تلمسان وحيد                   من الأحباب ليس له مشاكل

          وكم فيها من الأصحاب ولكن            عُدمْتُ بها المناسب والمماثل

وفي هذا الكتاب نجد إشادة بمن يعرف باسم "الفقيه عمر" الذي كتب عنه أنه "أشهر من نار على علم، وأزجاله ومنظوماته ومقاماته عند العامة محفوظة، وعند الخاصة مرفوضة، إلا القليل؛ ومنه مقامته المسماة "تسريح المصال إلى مقاتل الفصال". ومنها قوله

           تعال نجددها طريقة ساسان              وعض عليها ما توالى الجديدان

           ولو كنت في مغزى أبي يوسف لما        رماه بغدر عبده في تلمسان

ونأتي إلى ابن اللبانة وهو أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي، توفي بميورقة سنة 507 هـ، وله موشحات. ومن موشحه، المذكور في كتاب "الوافي بالوفيات" لصلاح الدين الصفدي الذي مطلعه

           شق النسيم كمامه                       عن زاهر يتبسم

إلى أن يقول

                  حيا النسيم تلمسان بواكف القطر هطال

                 فقد قضت كل إحسان بجودها يا ابن شملال

وفي كتاب "فوات الوفيات" لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي الدمشقي، نجد له هذا الموشح أيضا.

وفي "نفح الطيب" نجد أبا عبد الله ابن سعيد، الذي اشتد مرضه بين تلمسان وفاس؛ فأوصى أن تكتب على قبره الأبيات التالية

           ألا رحم الله حيا دعا                     لميت قضى بالفلاة نحبه

           تمر السواقي على قبره                     فتهدي لأحبابه تربه

           وليس له عمل يرتجى                     ولكنه يرتجي ربه

ويكتب المقري في هذا الكتاب:

وخاطبني الأديب الفاضل الشيخ أبو بكر العمري، شيخ الأدباء بدمشق حفظه الله تعالى بقوله

           تاهت تلمسان على مدن الدنا           بعالم في العالمين يحمد

           المقري احمد رب الحجا                   الكامل البحر الخضم المزبد

           مالك هذا العصر شافعيه                أحمده نعمانها المسدد

كما ذكر العلامة الشيخ حسن بن علي بن عمر الفكور القسمطي، أحد أشياخ العبدري صاحب الرحلة، له قصيدة مشهورة عند العلماء بالمغرب، ضمنها ذكر البلاد التي رآهافي ارتحاله من قسنطينة إلى مراكش، ومطلعها

           ألا قل للسري بن السري                أبي البدر الجواد الأريحي

ثم يذكر تلمسان

           وأبدت لي تلمسان بدورا                جلبن الشوق للقلب الخلي

وتعرف تلمسان ببلد الجدار، ويقول أبو عبد الله ابن مرزوق الحفيد (ولد سنة 766 هـ)

           بلد الجدار ما أمر نواها                  كلف الفؤاد بحبها وهواها

           يا عاذلي كن عاذري في حبها           يكفيك منها ماؤها وهواها

كما أن نفح الطيب يذكر ما هو مكتوب على دائرة مجرى مياه بتلمسان، وهو

           انظر بعينك بهجتي وسنائي             وبديع إتقاني وحسن بنائي

           وبديع شكلين واعتبر فيما ترى         من نشأتي بل تدفق مائي

           جسم لطيف ذائب سيلانه             صاف كذوْب الفضة البيضاء

           قد حفّ بي أزهار وشي نُمّقت          فغدت كمثل الروب غب سماء

ومن كتاب "تحفة القادم" لابن الأبار، نجد ذكر أبا عيسى بن  عبدالله الدجّي (نسبة إلى دجّة، قرية بشريش في الأندلس)، (595-658 هـ/ 1199-1260 م)، ومن شعره في بقال ألحى في تلمسان

           أهدت تلمسان لنا لحية                 بوجه تيس جئت أن أسأله

           ألفيته وهو بدكانه                      وهي على ما يحتوي مُسبل’

           فقلتُ ماذا قال علقتها                 لأمنع الذبان أن تدخله

   ونمضي مع الشاب الظريف وهو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني (661-688 هـ/ 1263-1289م)، إذ قال

           حتام حظي لديك حرمان             وكم كذا جفوة وهجرانُ

. . .

           ونم خليا وقل كذا وكذا                من كل ما اطلعت تلمسان

ودون الدخول في القضايا التاريخية، فإن شاعر الوزير أبي علي الحسن بن خلاص صاحب سبتة الذي انحاز إلى أمير المسلمين يغمراسن ضد السعيد بن المأمون الموحدي (تولى الحكم سنة 640 هـ/1242م إلى 646/1248)، وأدى النزاع إلى مقتل السعيد، ذكر هذه الواقعة في قصيدة مطلعها

           بشرى بعاجل فتح أوجب العرسا          وأسفر الدهر عنه بعد ما عبسا

. . .

           رجا تلمسان أن تغدو فريسته             فثل من دونها للوجه وافترسا

ثم إلى عزوز الملزوزي وهو أبو فارس عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد، وملزوزة هي إحدى قبائل زناتة، وكان من أهل مكناس، كان شاعرا مكثرا، سيال القريحة، علق بخدمة الملوك وأبنائهم من آل عبد الحق. قال

           أشافتك أطلال الديار الرواسم ُ        فقلبك حيران ودمعك ساجمُ

. . .

           أمير تلمسانٍ أبدْتَ جيوشه            وما هو مظلوم وما أنت ظالمُ

ونأتي إلى ابن الأحمر (725-807 هـ /1324-1404م)، وهو  اسماعيل بن يوسف بن محمد الخزرجي النصري، وفي كتابه "اللمحة النسرينية واللمحة المرينية" نجد أرجوزته الطويلة (100 بيت) التي مجّد فيها الدولة المرينية، ومطلعها

           تملكوا بكل أمر مغرب                بالزاب قبل دخول المغرب

. . .

           ثم تلمسان عليهم قد ترك             ولم يكن عن حصرهم فيها اعترك

. . .

           وفي تلمسان أبو عنان                 قام عليه مطلق العنان

كما أن الكاتب البليغ أبا عبدالله محمد بن علي الوجدي الغماد (-1033هـ/ 1624م) من رجال المولى أحمد بن اسماعيل (المنصور الذهبي) له قصيدة مطلعها

           تحية إخوان معطرة النشر              تخص الإمام الأوحد الساميَ الذكر

. . .

           نبت من ذرى فاس لشوق ويممت    تلمسان تنحو جانب المجد والفخر

وله من قصيدة أخرى مطلعها

           ملك الملوك السامي المقدار           طود العلى ومشيد كل فخار

. . .

           أما تلمسانٌ فقد كلفت بكم         كلف الجديب المحل بالأمطار

وفي مطلع قصيدة أخرى

           أسائل حبرا حلّ في بلدة العلى       تلمسان دار العلم خير مدينة

وممن ذكر تلمسان في شعره أبو عثمان سعيد بن عبدالله التلمساني المنداسي (-1088 هـ/ 1677م)، وكان هجا الأتراك بعد مذبحتهم للأعيان وهدم الدور وسبي النساء سنة 1060 هـ. وغادر بعدها تلمسان إلى المغرب. قال

           وأكبر شيء أفسدته أكفهم          تلمسان عين الغرب علما وإيمانا

وللأمير المجاهد عبد القادر الجزائري (1222-1300 هـ/ 1807-1883م) قصيدة جميلة في تلمسان وجهاده، نذكرها بتمامها

           إلى الصون مدّت تلمسان يداها     ولبّت فهذا حسن صوت نداها

           وقد رفعت عنها الإزار فلجْ به       وبرّد فؤادا من زلال نداها

           وذا روض خديْها تفتق نوْرهُ          فلا ترضَ من زاهي الرياض عداها

           ويا طالما عانت نقاب جمالها         عُداةٌ وهم بين الأنام عِداها

           وكم رائم رام الجمال الذي ترى      فأرداه منها لحظها ومناها

           وحاول لثم الخال من ورد خدها     فضنّت بما يبغي وشطّ مداها

           وكم خاطب لم يدْعَ كفؤا لها         يَشِمْ طرفا من وشي ذيل رداها

           وآخر لم يعقد عليها بعصمة        وما مسّها مسا أبان رضاها

           وخابت ظنون المفسدين بسعيهم    ولم تنل الأعدا هناك مناها

           قد انفصمت من تلمسان حبالها    وبانت وآلت لا يُحل عراها

           سوى صاحب الإقدام في الرأي والوغى    وذي الغيرة الحامي الغداة حماها

           ولما علمْتُ الصدق منها بأنها             أنالتنيَ الكرسي وحزتُ علاها

           ولم أعلمن في القطر غيريَ كافلا          ولا عارفا في حقها وبهاها

           فبادرتُ حزما وانتصارا بهمتي              وأمهرتُها حبي فكان دواها

           فكنتُ لها بعلا وكانت حليلتي            وعرسي وملكي ناشرا لهواها

           ووشّحتها ثوبا من العز رافلا              فقامت بإعجاب تجرّ رداها

           ونادتْ أعبد القادر المنقذ الذي          أغثْتَ أناسا من بحور هواها

           لأنك أُعطيتَ المفاتيح عنوة              فزدني أيا عز الجزائر جاها

           ووهران والمرساة كلا بما حوت           غدت حائرات من حماك مناها

ونعرج على مسلم بن عبد القادر الوهراني (-1284 هـ/ 1822)، وكان كاتبا للمزاري، أحد أغوات المخزن التركي بوهران، ثم صار كاتبا لدى الباي حسن الأخير. ومن قصيدة له مطلعها

           خليلي من الرمس ليتك لي راجع        فتنظرَ ماذا من الحزن واقع

. . .

           تلمسان ذات الفخر والمجد والعلا       والعلم والأولياء والماء والمنافع

 كما أن سليمان (بن خطار بن سلوم) البستاني (1856-1925 م) يذكر تلمسان في إحدى ملاحمه (258 بيتا) التي مطلعها

           هكذا هرمس أتم الخطايا                وتوارى إلى الألب وآبا

. . .

           بعويل وقطع شهر وندب               جاءتا النعش تلمسان النطابا

وأخيرا، نأتي إلى رافع بن بدوي بن على الطهطاوي (1216-1290 هـ/1801-1873 م)، الأزهري المعروف الذي رافق البعثات العلمية في باريس. وفي موشحه الذي مطلعه

           ودّع أويقات الصبابة والصبا            ودع التنسيم بالنسيم والصبا

إلى أن يذكر تلمسان

           من تلمسان سرى ليغزو وهو في        بستان طهطا ظاهر لم يختفِ

           والطعن بان كشوكة منها شُفي         والمغربي لما حكى هذا نُفي

                              وبوقته عن أرض طهطا قد نبا 

خاتمة 

في عجالة من الوقت، وشح من المصادر، وبعد عن الاختصاص العلمي، قدمت ما استطعت من أبيات ذكرت تلمسان عرضا أو قصدا. ولا عجب أن تُحظى تلمسان بهذا الكم من الذكر أو أكثر. فمدينة عريقة، كانت عاصمة لدول مستقلة أو شبه مستقلة، في منطقة غنية، يطمع بها الطامعون، ستجذب حقا إليها أهل العلم على اختلاف فنونهم. وبما أن أهل الأدب كانوا يتعيشون من القرب من السلاطين، فلا عجب أن تجذب تلمسان على مر عدة قرون عددا وافرا من أهل الأدب والمعارف. ويترجم كتاب "معجم أعلام تلمسان" للأستاذ الدكتور التجيني بن عيسى لِ 459 من هؤلاء. كما أن د. محمد رمزي يترجم لأعداد أخرى في كتابه "المفكرون والشخصيات اللامعة في تلمسان". وآمل أن يجود الزمان بالوقت والجهد الكافيين لتكون هذه المقالة خميرة لكتاب عن تلمسان في الشعر، مع التحليل.

واعترافا بقيمتها وفضلها، اختيرت لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية  لسنة 2011. وحفلت سنتها بنشاطات جمة متنوعة، منها هذا اللقاء. وأعيد التوكيد بأن الباب الأعظم للولوج إلى الوحدة العربية هو باب الثقافة ابتداء من اللغة العربية لغة جمع واجتماع وهوية، لأنها موحدة للشعوب العربية، بل ولكل فرد عربي، بالتحديد النبوي (إنما العربية اللسان). ونتطلع إلى زمن قريب يتنقل فيه أهل المعارف بخاصة، والجميع بعامة، دون حاجة إلى تأشيرات مسبقة؛ وأن تنتقل المؤلفات حركة طبيعية بعيدة عن عيون الرقباء، ومقصات ضيقي العقول. وقد أنتهز هذه المناسبة الأدبية لأدعو المشاركين في هذا اللقاء ليكوّنوا نواة الوحدة الثقافية المنشودة، على أن نجد وسيلة فعالة لنقل هذه الأفكار إلى عالم الواقع. 

 

 

 

 

 

المراجع

ابن الأبار أبو عبدالله محمد بن أبي بكر القضاعي، تحفة القادم، تعليق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1986.( لم يصلنا الكتاب، ووصلنا مختارات منه بعنوان "المقتضب من تحفة القادم")

ابن الأحمر، اسماعيل بن يوسف بن محمد الخزرجي، النفحة النسرينية واللمحة المرينية، نشر عدنان الطعمة، دمشق 1992.

ابن خلدون، أبو زكريا يحيى، بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عياد، مخطوط بالمكتبة الوطنية في الجزائر رقم 2117.

ابن عبد المنعم الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، مكتبة لبنان، ط2، 1984.

ابن الكتبي، محمد بن شاكر، فوات الوفيات والذيل عليها، تحرير إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1973.

بو عياد، محمود آغا، (تحقيق  وتعليق)، تاريخ بني زيان ملوك تلمسان، مقتطف من نظم الدر والعقيان في شرف بني زيان لمحمد بن عبد الله التنسي، وزارة الثقافة، الجزائر 2011.

التجيني بن عيسى، معجم تلمسان، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2011.

توات، طاهر، ابن خميس شعره ونثره، ديوان المطبوعات الجزائرية، الجزائر 1983.

زمري، محمد، المفكرون والشخصيات الامعة بتلمسان، جامعة أبوبكر بلقايد، تلمسان، نشر كنوز للنشر والتوزيع، 2011.

لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحرير محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة  1956-1973.

المقري، أحمد، أزهار الرياض في أخبار عياض، تحرير مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، 3 أحزاء، القاهرة 01939-1942).

              ، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب، تحرير إحسان عباس، 8 أجزاء، بيروت، 1968.

الموسوعة الشعرية، الإصدار الثالث، www.cultural.org.ae

 

No comments: