Wednesday 6 March 2013

الإنسان إنسان والآلة آلة ولا جمع بينهما


الإنسان إنسان والآلة آلة ولا تطابق بينهما

أ. د. عبد المجيد نصير

مجمع اللغة العربية الأردني

 

الحاسوب، كما يدل عليه الإسم، آلة سريعة الحساب جدا. والعظمة ليست في الآلة صغر حجمها أم كبر، تقلصت ذاكرتها أم تضخمت، بل بالبرمجيات الحاسوبية التي تحول كل شيء، تقريبا، يخطر في بال الإنسان إلى ما يعادل العدين {صفر، واحد} اللذين بدورهما يتحولان إلى دارة كهربية مفتوحة أو مغلقة على الترتيب.

هذا هو كنه هذه الآلة التي ظهرت مع منتصف القرن العشرين، وتطورت في أقل من ستة عقود بحجمها وقدراتها وتأثيرها إلى ما لم يحلم به أبعد الحالمين خيالا. إنها تعيش على الكهرباء، أعصابها أسلاك مما يُرى ومما لا يُرى؛ وخلايا ذاكرتها دارات كهربية صغرت حتى صار البليون منها بمساحة أظفر، أو أقل. اقطع عنها الكهرباء تمت فورا، اعبث ببعض أسلاكها أو داراتها تتوقف عن العمل أو تصاب بمس، أخطئ في سطر واحد من برنامجها، حتى لو كان البرنامج مليون سطر، تتعثر ولا تقوم بالواجب. اشرح لها حبك أو كرهك فلن تهتم! تمسكنْ لها ساعات، واذرف الدموع صادقات أو كاذبات فلن تثير فيها نبضة حنان! اشتمها بأقذع الألفاظ فلن تغضب! دس عليها بالنعل فلن تثور لكرامتها! ومع ذلك، لقمها برنامجا صحيحا فستقوم بالمطلوب دون زيادة أو نقصان! إنها أقل من عبد مطيع! وفيما تقوم من واجبات أو أعمال فإنها أسرع من أكثر الناس ذكاء، وبدقة تفوق دقة جيش من أهل المحاسبة.

ومع اختراع الحاسوب الأول في أربعينيات القرن الماضي، بضخامته وكثرة مصروفه الكهربي، ومحدودية قدراته، بدأ الأمل والخيال في عقل الإنسان يرسمان آفاقا لهذه الآلة وتطبيقاتها. وصارت الآفاق تتسع دون حدود. وحين اقترح فون نيومان سنة 1949 استعمال النظام الثنائي { 0، 1} ليصير وسيطا مشتركا للتعليمات والمسألة بدأ عصر التقدم في العتاد (الخواشن) والبرمجيات (النواعم). في البدء كان العتاد يتحكم في البرمجيات، ولكن منذ ربع قرن صارت البرمجيات هي التي تضع مواصفات العتاد. ولو قبلنا فرضية داروين بالتطور والانتخاب (الصناعي في هذه الحال) لكان تطور العتاد الحاسوبي خير مثل لذلك.

وربما منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، بدأ عدد من الكتاب يقارنون بين هذه الآلة الجديدة والإنسان. ما مدى مقاربة هذه الآلة للإنسان؟ إذ أنها تقوم بكل العمليات الحسابية مهما كانت معقدة أو طويلة بسرعة وبدقة. ولها ذاكرة كبيرة يمكن أن تمتد. ويمكن أن تقوم بكثير من العمليات العقلية التي يقوم بها البشر. ولولا الحاسوب ما تم غزو الفضاء، ولا إجراء العمليات الجراحية المعقدة، وما تحتاج من تصاوير، ولا حملنا الهاتف المحمول بكل أجياله. وأخيرا غلبت الآلة أمهر لاعبي الشطرنج في لعبة يتفق الجميع على أنها لعبة عقل. ومع ظهور علوم كثيرة احتاج اليها الحاسوب أو طورها أو أثارها، ومنها الذكاء الاصطناعي، قويت المقارنة مع الإنسان.

نعيش اليوم الثورة الرقمية، بعد الثورة التكنولوجية. يقود هذه الثورة ثلاثي من آلة سميناها الحاسوب، وبرمجيات تجعل الحاسوب حيا، والإنسان الذي اخترع الجهاز والبرنامج. وكما ذكرنا، منذ بدايات ظهور هذا الجهاز، وربما قبله، انطلقت مخيلة الإنسان، وبخاصة كُتـاب الخيال العلمي في فضاءات لا نهاية لها عن هذا الجهاز وعلاقته بالإنسان، ومن سيقود الآخر، وما هي الآفاق التي سيفتحها. كما استحدث، ولا يزال، علوما لم تكن من قبل، سواء فيما يختص العتاد (الخواشن) أو فيما يختص البرمجيات (النواعم)

في البداية كان الخيال العلمي الذي استغلته السينما والتلفاز عن بشر بعض أجهزته آلية- كهربية ميكانيكية، ولذلك كان يتمتع بقدرات خارقة. سموه سايبورج Cyborg أي بشرالي (تركيب من بشر وآلي). ونحن نتذكر مسلسل "المرأة البشرالية" Bionic woman في تسعينيات القرن الماضي. ومع تقدم علوم الحاسوب، وبخاصة الذكاء الاصطناعي، التهب الخيال البشري للتفكير بإنسان آلي متقدم على البشرالي، يمكنه أن يفكر ويتخذ القرار، أعصابه أسلاك، ولحمته رقائق، وغذاؤه تيار كهربي. مثل هذا المخلوق سماه د. علي محمد رحومة في كتابه "علم الاجتماع الآلي" "إنسوب" من إنسان وحاسوب. ولهذا الكائن الجديد كان لا بد من بيئة شاملة يؤثر فيها ويتأثر فيها. وليس فقط الجوانب العلمية المحضة، بل علم اجتماع وعلم نفس وفلسفات وقانون واقتصاد وغير ذلك.

لم يصل الإنسان إلى ما وصل إليه إلا بعد تطور استغرق عشرات الألوف من السنوات، وبعد كثير من التجربة والخطأ. وصل الإنسان "إلى التمظهر والتمثل في وسط تكنولوجي اتصالي جديد، وسط الاتصال الإلكتروني. ليس له من علاقة بأوساطنا التكنولوجية الاتصالية السابقة سوى أنه يجمع بين مختلف أنواعها في آن واحد. ومن ثــــــَم يمثلنا في كيانه، برمزية تجريدية جديدة. أصلها هي الأخرى من حياتنا وعقلنا وتفكيرنا المجرد؛ بصورة عامة: ال"نعم" وال"لا"، الفتح والغلق، الوصل والفصل: ثنائية الاستمرار والاستقرار؛ أو الواحد والصفر.

"إن وسطنا الحياتي الجديد، لا يكون من دون التحامنا بعنصرنا التكنولوجي الذي اكتسبناه واكتسَبنا، وألفناه وألفَنا. . والذي لازمنا من قديم الزمان نطوره ويطورنا. حتى بلغ بنا الأمر أن نكون ذرات في جزيء جديد، هو مركبنا التكنولوجي الاجتماعي الجديد. فنحن اليوم في وسطنا الجديد (الانترنت) مركب جديد: إنسان – آلة؛ إنسان – حاسوب. لا يمكن لأحدنا أن يتمثل من دون الآخر كائنا بشريا – آليا أو آليا – بشريا. له صفات الكترونية (حية)؛ سوى بها التركيبة الجديدة (كائن الفضاء الإلكتروني)؛ الرقمي، الافتراضي والحقيقي معا.

"إنه الإنسان – الحاسوب، (الإنساسوب) أو بشيء من الاختصار والتخفيف على السمع والنطق، نقول "الإنسوب"؛ لو جاز لنا القول. . .

"إنه مركب مبرمج آليا؛ في حالة من التواري و(التماهي)، والتمظهر أيضا، في بنيته الخاصة من الأرقام الثنائية: الآحاد والأصفار. وبالتالي، أصبح التمثل الرقمي هو الشفرة الجديدة لنا، للوصل والاتصال، ومن ثم التفاعل والتحول من حال إلى حال في فضاءات شبكات الحواسيب. . .

"إنه الفضاء الآلي الذي يسعنا في عصرنا المعلوماتي المنفجر بكل أثقاله التكنولوجية (المعلوماتية). لقد أصبحنا بكل مدلولاتنا الافتراضية – الحقيقية؛ نتمثل في عالمنا السايبري (الرقمي)، ومجتمعنا التفاعلي المتحرر – المتقيد؛ والمنفتح – المنغلق؛ والبعيد – القريب. إنه يجسدنا في قريتنا أو أسرتنا (الآلية، الإلكترونية) الكبيرة – الصغيرة في ذات الزمان – المكان. . .

"لقد فرض علينا فضاؤنا الذي اخترعناه، الفضاء السايبري، نوعا لم نتصوره من الاجتماعية؛ الفرد – الجماعة، أو الفرد الإنترنتي. كينونة حياة وحياة كينونة (رقمية)؛ في مجتمع الإنترنت.

"لقد انتقلت الظاهرة الاجتماعية بمختلف جوانب تمثلاتها الثقافية والتقنية والسلوكية والاقتصادية والسياسية والقانونية . . . من أنها فقط تتمثل طبيعيا في المجتمع البشري الطبيعي، إلى أن تتمثل صناعيا في المجتمع الطبيعي، إلى أن تتمثل أيضا صناعيا (رمزيا – رقميا – آليا)، وأيضا بمختلف جوانب تمثلاتها الأصلية. إلا أنها أصبحت في شكلها الإلكتروني (المصنع) من الذرة إلى للإلكترون". (علي رحومة، علم الاجتماع الآلي، ص 21-23)

على أن الإنسان ووجوده وحياته مركب متكامل من العناصر والآليات المتفاعلة في حياته المجتمعية؛ ويسعى دوما إلى مزيد من التكامل والرقي والتعقد في تكوينه الثقافي والجسمي. ومن البدهي أن الإنسان يعيش نظام مجتمعه، بصورة ما. ذلك أن المجتمع نظام واقعي يربط أفراده وجماعاته ومختلف أنساقه الداخلية. أي أن المجتمع هو الذي يضع لنا مقاييس السلوك والمعايير التي ينبغي لنا أن نرى أنفسنا من خلالها، كما أننا نراه من خلال هذه المعايير، فينعكس بذلك في ذواتنا. وفي زماننا تربع الحاسوب على عجلة القيادة الحضارية، فنحن لا نستطيع أن نقود من أن يظهر في أصابعنا، ويوحي في أحاسيسنا وأفكارنا؛ بل إنه عيون أخرى هي امتداد لعيوننا. وعصرنا هو عصر الحاسوب، أي عصر المعلومات والاتصالات والبرمجيات والشابكة والرقميات والفضائيات والإلكترونيات وغيرها. صار هذا الحاسوب شريكا لنا في معظم أنماط الحياة ما ظهر منها وما بطن، وتسلل إلى نسيجنا الاجتماعي، مغيرا من تركيبه، ونقلنا إلى عالم اجتماعي آخر. وهل نذكـّر بالفيسبك وسكايب على سبيل المثل؟ فقد فرض علينا فكرا جديدا يعيننا على فهمه والتعامل معه، مما يؤدي إلى ثقافة أخرى، واقتصاد آخر (نذكر باقتصاد المعرفة)، وتكنولوجيا أخرى.

بين الإنسان والحاسوب

هذا الحاسوب بقدراته وتشعباته وتأثيراته يكاد يكون كائنا بشريا، كما أسلفنا. ولكنه لن يكون، ليس لأنه من خلق الإنسان فقط، يتحكم فيه؛ ومن المستحيل أن يكون الخالق والمخلوق متكافئين، بل لفروق أخرى مهمة. ومن السهل أن نعرف ما هو الحاسوب، وقدراته وحدوده. ولكن ماذا يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات؟ قيل على سبيل الاختصار: الإنسان حيوان ناطق، ولكن من السهل أن نجعل حاسوبا ناطقا. أو أن الإنسان حيوان ضاحك. ومن اليسر أن نجعل الحاسوب يقهقه بأصوات مختلفة. وإذا كان عتاد الحاسوب يولد دفعة واحدة تضاف له الأطراف مع قابلية زيادة محدودة، فإن المخلوق البشري يولد من نطفة وبويضة لا ترى بالعين المجردة في سلسلة حياتية يتشارك فيها مع مخلوقات أخرى حتى حد معين، ثم يتميز. "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين". (المؤمنون 12-14).

للحاسوب ذاكرة هي من دارات كهربية مع مفاتيحها تغلق وتفتح. ويترجم الغلق إلى واحد والفتح إلى صفر. وتترجم التعليمات والمسائل إلى مجموعات من الصفر والواحد. لذلك من السهل أن نفهم ذاكرة الحاسوب، ومن ثم كيف يعمل. وقد تنقسم الذاكرة ذاكرات متخصصة. ونستطيع بوسائل تقنية وبرمجية أن نزيد في سعة الذاكرة، وسرعة إنجازها للأعمال المختلفة.

ولكن الدماغ البشري شيء آخر، من خلايا عددها بين عشرة بلايين إلى مئة بليون. ولكن قوة الدماغ البشري وقدراته تظهر من الارتباطات بين هذه الخلايا. ولو أننا لا نعرف جيدا كيف يتم خزن المعلومات واسترجاعها والاستفادة منها، وكيف يكون التفكير وما يؤدي إليه من العمليات المنطقية والمقارنات وأثر التحيزات والحالات النفسية على النتائج. ونعلم أن الإنسان يبدأ عمليات التعلم والبرامج التعلمية، ربما وهو في رحم أمه. وفي أول سنواته يتعلم اللغة وهي أعظم ما يتعلمه، لأنها وعاء الفكر ومن أهم ادواته ووسيلة إظهاره. ويلاحظ أننا نستطيع أن ننتج آلاف الحواسيب ونبرمجها برمجات متماثلة لنحصل على حاسوب وألوف النسخ منه. وهذا ما لا يمكن للبشر، حتى على مستوى التوائم، شق البويضة، كما يقال، فالاختلاف موجود.

الإنسان إنسان والحاسوب حاسوب ولن يتطابقا. ها أنا ألقي على مسامعكم محاضرة، فتثير فيكم ردود فعل مختلفة، بعضها ممزوج بمشاعر، وربما بعضها دون مشاعر. ولو ألقيتها على حاسوب حتى بلغته، لما أثارت فيه أي استجابة. ومحرك جوجل يتعامل مع ملايين الخوادم (الحاسوبية)، وكل واحد يمكنه أن يطلب من محرك جوجل أن يبحث له عن شيء ليعطيه جوابا في ثوان أو أقل، لكنه لا يتفاعل مع هذه الأجوبة. نسأل شاعرا عن بيت شعر في قصيدة له فيجيبنا بلسانه وحركاته وعواطفه إجابة كلها حياة. ونسأل عالما ليفسر لنا آية من القرآن لنسمع ونرى ونحس جوابه. نسأله عن الخمر وما هي فيجيب. ولكنه يضيف حكما عليها: إنها حرام. أما الحاسوب فقد تكون معلوماته أكثر، وإذا كان في ذاكرته معلومة عن حرمة الخمر فإنه يذكر ذلك، وإلا فلا. يتصرف الحاسوب بناء على برنامجه (المنطقي)، وليس بناء على المشاعر أو الأحاسيس أو الميول. ويستطيع الإنسان أن يسلك سلوكا وهو يعلم أنه خطأ، وهو سيء النية، وهو منطلق من الحقد أو الكره أو الحسد، مما لا يستطيعه الحاسوب. بل إن الحاسوب مهما كانت قدراته لا يصل في قيمه إلى مستوى النملة. مع أن كليهما مبرمج سلفا من الإنسان او بالفطرة. فالنملة العاملة على استعداد لأن تضحي بنفسها دفاعا عن بيت مملكتها أو عن ملكتها، أي إن عندها قيمة (الإيثار) مما لا يتوفر عند الحاسوب. وهكذا، فالسرعة والدقة ليست كافية في معيار الذكاء. وتبقى النملة أكثر ذكاء.  ومهما ظهرت أخطاء من الحواسيب، حتى لو أدت إلى الموت، فهو غير مسؤول عن هذه السلوكيات. ويظل الإنسان هو المسؤول. مما يعني أنْ ليس للحاسوب قيم أو أخلاق أو إرادة.

أمر آخر. سمعنا عن مساجين أضربوا عن الطعام ستين يوما أو أكثر، وما ماتوا. ماذا لو قطعنا الكهرباء عن الحاسوب، وهي زاده، لحظة واحدة؟ سيموت، بمعنى أنه لن يستطيع أن يقوم بأي عملية مهما كانت بسيطة. ماذا عن مكافأته إن أحسن؟ نزيد في فولطيته، فقد يحترق، نربت على طرف منه! نضع في عنقه قلادة من الذهب! ندبج في مدحه قصيدة! لا فائدة، فلن يقدر قيمة ذلك، ووجودها وعدمه سيان عنده.

سيظل الإنسان إنسانا والآلة آلة، ولن يتطابقا. هذا حكم قضائي قاطع لا يقبل النقض أو الطعن. ومع ذلك، فإنساننا اليوم في بيته أو عمله هو غير الإنسان قبل خمسين عاما. لقد أثر فينا الحاسوب بما ندرك وما لا ندرك. ونقل المدنية بل والحضارة الإنسانية إلى مستويات أخرى بعضها أعلى وبعضها أوطى. لقد يسرت لنا التكنولوجيا، التي الحاسوب جزء لا يتجزأ منها، حياتنا في أكثر النواحي. ولكنها في الوقت نفسه، قطعت أوصال الاتصال البشري المباشر الحقيقي وليس في العالم الافتراضي. حتى بتنا نرى أن البديل السايبري كاف لهذه العلاقات. فنحن مثلا نتواصل مع أبنائنا وأحفادنا البعيدين، كتابة، عن طريق البريد الإلكتروني، وبصرا وسمعا عن طريق سكايب أو ما يماثله، وينقلنا مراسل التلفاز إلى الحدث في لحظته. نعم، نعترف أن الإنسان البشري، ليس هو كما كان قبل خمسين عاما. لقد أثر الحاسوب ومشتقاته في تعاملنا مع عقولنا، ولم نعد نهتم كثيرا بحفظ معلومات أو عمليات. من منا يهتم بحفظ أرقام هواتف أصحابه ومن يحتاج إليهم؟ نتكئ على ذاكرة الجوال! ومع كثرة مشاغلنا، لم نعد نحفظ المواعيد، نضعها في ذاكرة الجوال، إن شئنا. لقد صار الحاسوب ملازما لنا، عبدا يستجيب دون أي تذمر! مرافقا لا نستطيع أن نقوم بكثير من الأعمال من دونه! لكن الحاسوب سيبقى آلة، ولن يتطور ليصير أخا او صديقا أو معشوقا، وإن كان فقده مزعجا جدا، وبعدنا عنه مؤلما كثيرا! لقد أصبحنا نعيش في عالمين: حقيقي وافتراضي سايبري، وكلاهما لنا واقعي.

لا نستطيع أن نخمن المستقبل ولو بعد بضع سنوات. فالتطور التكنولوجي سريع قوي جدا. ومع التداخل مع العالمين الحقيقي والافتراضي، فلن يتطابقا. ومهما انتشر استعمال الحواسيب والشابكة، فلن يكون العالم السايبري عالم كل إنسان من المهد إلى اللحد. بل إن التطور التقني يحرم الجيل السايبري (وعمره الآن حوالي خمس سنوات) من التواصل مع الجيل السابق لاختلاف الوسائل والتقنيات. من منا استعمل البطاقات المثقبة التي شاعت حتى أوائل الثمانينات؟ من منا يحتفظ الآن بأقراص مرنة  floppy disks يحفظ عليها بعض ما يريد؟ فحاضوناتlaptops   اليوم ليس فيها مرفأ لهذه الأقراص. ولنتأمل في برامج نوافذ مايكروسوفت ، التي نزل منها حديثا الجيل الثامن windows 8. وستظهر أجيال أخرى تؤثر على العتاد وتتأثر به. وسنرى تقدما تكنولوجيا متأثرا بالحاسوب وعلومه بما لا يمكن التنبؤ بأكثره. لكن لن يخلق الإنسان إنسانا سايبريا يماثله في إنسانيته، من النواحي الإيجابية والسلبية. وسيظل الخالق غير المخلوق. وسبحان الذي أحسن كل شيء خلقه.

مراجع

د. محمد علي رحومة، علم الاجتماع الآلي، عالم المعرفة، متاب 347، يناير 2008، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

 

 

 

 

No comments: